معالي الدكتور نبيل العربي
القى معالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة في حفل افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب التي انعقدت بتونس يوم 2016/3/2م، قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس محمد الباجي القايد السبسي رئيس الجمهورية التونسية
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز
ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء
وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية
الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب
معالي السيد الهادي مجدوب
وزير الداخلية في الجمهورية التونسية
معالي الدكتور محمد بن علي كومان
الامين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب
أصحاب السمو والمعالي الوزراء
أصحاب السعادة السفراء ومديري المنظمات العربية
السيدات
السادة
اسمحوا لي بدءا أن أعبر عن سعادتي بالمشاركة في أعمال الدورة الثالثة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب، وأن أشيد بالدور الكبير الذي يقوم به المجلس في منظومة العمل العربي المشترك، وبما يبذله من جهود متصلة واعمال جليلة لحماية واستقرار الدول والمجتمعات العربية، والسهر على سلامة المواطنين، وانفاذ القانون وتطوير القواعد والاجراءات المساعدة على حفظ النظام العام بما يكفل سلامة المجتمع وأمنه، ولا بد في البداية من توجيه خالص الشكر والتقدير للجمهورية التونسية الشقيقة رئيسا وحكومة وشعبا على ما تقدمه لمجلس وزراء الداخلية العرب.
واود هنا أن اتوجه بالتحية والتقدير إلى أجهزة الامن في كل أرجاء الوطن العربي للتضحيات التي يبذلونها، ولشجاعتهم في مواجهة كل أنواع الجريمة وعلى رأسها جرائم الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، وأسأل الله العلي القدير أن يتغمد شهداء الشرطة بواسع رحمتـه، وأن يسكنهم فسيح جناته.
أصحاب السمو والمعالي،
السيدات والسادة،
يأتي انعقاد الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلسكم الموقر في وقت عصيب تمر به الأمة العربية، وتشهد فيه تحولات غبر مسبوقة تهدد كيان بعض الدول وقد تعصف باستقرار المجتمعات العربية، وتعرض مواردها والمكتسبات التي حققتها على مدى سنوات طويلة إلى مخاطر حقيقية، وتفرض تحديات جديدة على قيم ومثل المجتمعات العربية التي قامت طوال قرون على التعايش والتسامح والانفتاح ودرء الفتنة، الامر الذي ينذر بعواقب وخيمة تكون نتائجها كارثية على استقرار المجتمعات العربية ووحدة نسيجها الاجتماعي وسلامة بعض الدول واستقلالها وسيادتها الوطنية، والجميع يقدر الاعمال الجليلة التي تقومون بها لمنع حدوث مثل هذه التداعيات، ويثمن ما تبذلونه من جهود لحماية أمن واستقرار المجتمعات العربية.
ومنذ بروز الإرهاب في موجته الجديدة، وتهديداته لكيان الدولة الوطنية الحديثة، أدرك العرب أن مواجهة الارهاب تتطلب تضافر الجهود العربية، والعمل سويا وعلى نحو جماعي لمواجهته وهزيمته، وقد كرست هذه الإدارة العربية في قرار مجلس الجامعة على المستوى الوزاري الذي صدر في 7/9/2014، والذي اكد على الموقف العربي الحازم باتخاذ التدابير الجماعية اللازمة لصيانة الامن القومي العربي والتصدي لجميع التنظيمات الإرهابية، واتخاذ ما يلزم من تدابير عاجلة على المستوى الوطني، ومن خلال العمل العربي الجماعي على جميع المستويات السياسية والامنية والدفاعية والقضائية والإعلامية، والعمل على تجفيف منابع الإرهاب الفكرية ومصادر تمويله، ومعالجة الأسباب والظروف التي أدت إلى تفشي ظاهرة الإرهاب والتطرف.
وقد دعا القرار أيضا إلى تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب من خلال الالتزام بأحكام الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب وآليتها التنفيذية في المجالين الامني والقضائي، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولتحقيق ذلك دعا مجلس الجامعة في أكثر من قرار له، إلى الإسراع بعقدالاجتماع المشترك لوزراء الداخلية ووزراء العدل العرب لبحث سبل تفعيل الاتفاقيات العربية في مجال مكافحة الارهاب والتعاون القضائي الذي دعت إليه مبادرة جمهورية مصر العربية في قمة الكويت في عام 2014. وقد يرى مجلسكم الموقر خلال انعقاد هذه الدورة اتخاذ القرار اللازم بعقد الاجتماع المشترك في أسرع وقت ممكن للاتفاق على الإجراءات اللازمة لتفعيل دور الاتفاقيات العربية في مكافحة الارهاب، بما في ذلك تطوير آليات وتدابيرها واستحداث منهجيات جديدة تكفل مواجهة الإرهاب على نحو شامل.
وفي إطار المواجهة الشاملة للإرهاب، وبناء على تكليفي من قبل مجلس الجامعة بإعداد دراسة حول أسباب تفشي الإرهاب تتضمن بلورة اقتراحات محددة واجراءات عملية قابلة للتنفيذ بشأن التصدي لها واجتثاثها من جذورها، قمت باعداد تقرير معمق لمكافحة الارهاب بالتعاون مع مراكز البحث والمفكرين العرب يتضمن إطارا مفاهيميا للمواجهة الشاملة مع الارهاب(على المديات الثلاثة القصيرة والمتوسطة والطويلة) وبحث مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في اجتماع خاص عقد بتاريخ 15/1/2015، الدراسة وما ورد فيها من اقتراحات، وأقرها وطلب احالتها إلى القمة العربية في شرم الشيخ.
وقد أكدت قمة شرم الشيخ في القرار رقم 628 بتاريخ 29/3/2015، على ما ورد في تقرير الأمين العام بشأن صيانة الأمن القومي العربي وتوصياته واقتراحاته، وأكد القادة العرب التزامهم القوي بصيانة الأمن القومي العربي، واتخاذ جميع التدابير والاجراءات التي تتيح صيانة الاستقلال الوطني وإعادة الامن والاستقرار في الدول العربية.
أصحاب السمو والمعالي والسعادة
إن لمجلسكم الموقر دورا أساسيا جنبا إلى جنب مع المجالس العربية الاخرى المعنية في مواجهة الإرهاب، وفقا لمنهجية شاملة متعددة الابعاد تشارك فيها كل منظومة العمل العربي المشترك المعنية بقضاياالتطرف الفكري والإرهاب، فمكافحة الارهاب للقضاء عليه لا تقتصر على الجوانب الامنية والعسكرية فقط، بل تتطلب استراتيجية شاملة متسقة، تتضمن إلى جانب النواحي الامنية والعسكرية آليات سياسية وفكرية وعقائدية وإعلامية وتنموية واجتماعية وغيرها من الجوانب الهامة والابعاد الاخرى ذات الصلة، بحيث تكون فعالة في مواجهة الإهاب ودحره.
أصحاب السمو والمعالي الوزراء،
السيدات والسادة،
اسمحوا لي أن أؤكد أمامكم أن المنطقة العربية تعاني من أزمة فكرية عميقة وكذلك من زيادة الأخطار الناشئة عن تراجع المستويات الثقافية والتنموية والاقتصادية على نحو خطير في بعض الأقطار العربية، وخاصة في البلدان العربية التي لا تزال تشهد تحولات سياسية وأمنية كبيرة، واختلطت فيها المبادئ الصحيحة للدين والقيم الحنيفة، بالافتراءات المسيئة والروايات المشوهة في بعض كتب التراث المحرفة، والتي استندت إليها الجماعات التكفيرية من أجل تبرير أفعالها الإرهابية ، وبكل أسف فقط استغلت هذه الجماعات مختلف المنابر ووسائل الإعلام لاستقطاب الشباب وتجنيدهم في صفوفها، وهذه العوامل كلها ساهمت في تفاقم أزمة الإرهاب التي نعاني منها جميعا اليوم، وهو ما يستدعي جهدا مضاعفا من أجل محاربة الإرهاب والقضاء عليه.
ولعلي لا أبالغ، إن قلت إن المواجهة الناجحة لخطر الارهاب هي أكبر تحد يواجهه النظام الإقليمي العربي برمته، إذ لا يكتفي الإرهاب باستهداف بعض أراضي الدول العربية ، انما يهدف إلى تدمير بنية الدولة الوطنية الحديثة ومكتسبات المجتمع العربي ومقدراته، والأسس الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي يقوم عليها المجتمع المعاصر، واستبدالها بأسس مغايرة تستند إلى مقولات دينية خاطئة تتحرك باسم الحق الإلهي المطلق، وتضعنا في عداء مستمر مع بقية شعوب ودول العالم، بل وفي عداء مع بعضنا البعض وداخل مجتمعاتنا.
إن مواجهة الارهاب والنجاح في اجتثاثه وهزيمته، لا يمكن أن تتما إلا بسواعد أبناء الأمة العربية. ذلك انه مهما كانت قوة التدخلات الأجنبية وقدرتها على هزيمة الارهاب عسكريا، فإنه لا يمكنها اقتلاع الفكر الارهابي من جذوره ونهائيا، فمواجهة هذا الخطر تتطلب في المقام الاول مواجهة شاملة فكرية وثقافية وعقائدية، تتمكن من الاجابة بصراحة وأمانة عن الأسئلة الصعبة حول مكامن الخلل الذي تعيشه الأمة. كما أن المتطلبات الأساسية لمواجهة التحديات الراهنة تقتضي، أولا وأساسا، إعادة اكتشاف مضامين جديدة للتضامن العربي والعمل العربي المشترك، وتطوير أجندته وآليات عمله، ومثل هذا الجهد هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع وتسهم فيها كل المجالس الوزارية ومؤسسات الدولة والنخب الفكرية والثقافية والرموز الدينية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من القوى الفاعلة في المجتمع، وفي هذا الإطار أقترح عقد اجتماع مشترك عاجل للمسؤولين عن مكافحة الارهاب في وزارات الخارجية والدفاع والعدل والداخلية والأجهزة الأمنية المعنية لتطوير موقف جماعي عربي لمواجهة الإرهاب وفقا للقرارات الصادرة عن مجلس الجامعة في هذا الشان.
أصحاب السمو والمعالي الوزراء،
السيدات والسادة،
قبل أن أختم كلمتي لا بد من التأكيد على أن قضية العرب المركزية المحورية الأولى قضية فلسطين ويجب مضاعفة كل الجهود لتحقيق حق الشعب الفلسطيني الشرعي في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، واسمحوا لي في ختام كلمتي أن أؤكد مجددا على الدور الهام الذي يضطلع به مجلس وزراء الداخلية العرب في التصدي للمنظمات الارهابية، ولمجموعات الجريمة المنظمة، وما يقوم به المجلس من دور فاعل في حماية المجتمع والدولة من الاخطار المحدقة بهما وارساء الأمن والاستقرار، وهو دور نحن جميعا نساندكم فيه ونساعدكم عليه، ونتطلع إلى مواصلة التعاون الوثيق مع مجلسكم الموقر للدفاع عن مصالح العربية العليا.
وفقكم الله، وسدد خطاكم لما فيه خير الامة جمعاء،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته